ads

Bookmark and Share

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

001 الأهرام جريدة لا تهرم

الأهرام جريدة لا تهرم

بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 15 يوليو 1993م - 25 محرم 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عندما وضع مقدمة لكتاب "جريدة الأهرام - تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة" آثر أن يوصف الأهرام بـ "ديوان الحياة المعاصرة" وهو التوصيف الذى رأينا بدورنا أن يكون عنوانًا ثابتًا لهذا الباب من الجريدة العريقة، وهذا الإيثار أسبابه..
فالتسمية تحمل في جانب منها عبق التاريخ، ولما كان هذا الباب سوف يتعامل بالأساس، ليس فحسب مع تاريخ الأهرام، وإنما مع تاريخ مصر والعالم من خلال الأهرام، يصبح لهذه التسمية مبررها وجاذبيتها.
وليس المقصود هنا التاريخ السياسى فهو مجرد جانب محدود من الحركة التي رصدها الأهرام، وإنما المقصود جوانب عديدة من التاريخ يمكن استقراؤها قبل قراءتها، فإذا كانت الصفحة الأولى التي تحمل المانشيتات الكبيرة تقدم زادًا لا ينفد للتاريخ السياسى فإن صفحات أخرى من ذات العناوين الصغيرة أو حتى الخطوط السوداء تقدم بدورها معينًا لا ينضب للتاريخ المصرى والعربى بل والعالمى، فالإعلانات تاريخ، والبريد تاريخ، والوفيات تاريخ!
(الإعلانات) التي كانت تعنى في أواخر القرن الماضى وبداية القرن الحالي بأمور مختلفة جد الاختلاف عما تعنى به الآن مما يشى بحجم المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية..
ودعونا نقرأ أول إعلان صدر في الأهرام في عدده الثانى المؤرخ في 12 أغسطس 1876، وقد جاء فيه: "يوجد في أرض كوم النادورة (الناضورة) ملك الخواجات كندينكو اصطبل للأخرة يسع نحو عشرين عربية وأربعين رأس خيل وفيه طلومبة ماء فمن يرغب أن يستأجره فليخاطب بذلك الوكيل في الأرض المذكورة والأجرة متهاودة".
ونرى أن الفارق هائل بين هذا الإعلان الذى يكشف عصرًا بكل مفرداته وبين الإعلانات المماثلة التي صدرت بعد ذلك بقرن مثلًا، مما سيكون محل قراءة نقدية في مقالات تالية.
(البريد) فهناك فارق كبير بين خطابات القراء التي كانت تشكو من الوجد أو تمتلئ بالتعبيرات البلاغية في مديح "ولى النعم" وبين البريد الحديث الذى يحفل بعالم متحرك له مشاكله وقضاياه مما ينم عن حجم التحول الذى حدث في البنية الاجتماعية فضلًا عن تغير القيم وتنوع المشاكل.
(الوفيات) ويكفى أن نشير في هذا الصدد إلى دراسة تم إعدادها منذ بضع سنوات عن "النخبة الحاكمة في مصر بعد عام 1952" وقد اعتمدت إلى حد كبير على صفحة الوفيات في الأهرام التي أخضعها الباحث للدراسة فخرج بنتائج مذهلة عن شبكة القرابات التي تربط أبناء هذه النخبة!
***
هذا عن عبق التاريخ.. التاريخ الحقيقى وليس التاريخ المسطح! وإن كان العبق وحده لا يكفى!
نأتى بعد ذلك للتسمية التي أخذناها عن العميد، وهى تسمية تحمل كما تتحمل مدلولات عديدة بعضها ثقافى وبعضها اجتماعى وبعضها سياسى..
المدلول الثقافي أن التسمية لابد وأن تكون قد ارتبطت في ذهن الدكتور طه حسين "بديوان الانشاء"، وهو ديوان عرفته شتى الدول الإسلامية والذى كان يقوم رجاله بإعداد الرسائل الرسمية التي كان يتبادلها الخلفاء والسلاطين مع سائر الملوك والأمراء، وكان يشترط في المشتغلين في هذا الديوان أن يكونوا على قدر رفيع من ثقافة العصر، حتى أن عددًا من أشهر الأدباء العرب جاءوا من بين هؤلاء المشتغلين.
المدلول الاجتماعى جاء من أن الديوان هو المكان الذى تنتشر فيه الأرائك التي يتجالس عليها الناس ليتباحثوا أحيانًا وليتسامروا أحيانًا أخرى، وبين الحديث الجاد والمسامرات تأتى أفكار وتذهب أخرى ويكتسب الديوان مكانته الاجتماعية الخاصة.
أما المدلول السياسى فقد صدر من أن الديوان كان دائمًا المركز الذى تدار منه شئون الناس، حتى أنع في مصر عندما نشأ النظام الإدارى الحديث في عهد محمد على خلال عشرينات القرن الماضى، فقد نشأ تحت مسمى الديوان الذى تحول فيما بعد إلى النظارة فالوزارة التي بقيت لفترة غير قصيرة في حى الدواوين!
ومن على أريكة الديوان نقدم تصورًا لهذا العمل..
***
"العراقة" تمثل الملمح الأول "لديوان الحياة المعاصرة" فالأهرام من الصحف الفريدة في العالم الثالث التي قارب عمرها القرن والربع، ومن الصحف القلية في العالم كله التي عاشت خلالها القرنين التاسع عشر والعشرين وتدخل غير هيابة للقرن الحادى والعشرين!
ولسنا ندرى هل المصادفة وحدها هي التي أملت على أصحابها لدى استخراجهم لرخصتها عام 1875 اختيار هذا الاسم لأعرق الآثار العالمية أم أن بعضًا مما صنع أهرام الجيزة صنع في النهاية الأهرام الديوان!
عمومًا فقد خصص "الأهرام الديوان" في أعداده الأولى مجموعة من المقالات تتبع فيها الأهرام تاريخ "الأهرام الأثر" مؤكدًا أن اختيار الاسم كان مقصودًا.
وعمومًا فإن نشأة الأهرامين في مصر كان لابد وأن يضفى طابعًا خاصًا عليهما.. طابع الاستقرار والرسوخ، وهو من سمات الحياة المصرية.
ونسجل في هذا الصدد حقيقة مؤداها أن التقلبات السياسية في مصر أقل منها كثيرًا في بلدان العالم الثالث، بل في بعض البلدان التي كانت محسوبة على العالم المتقدم، والأهم من ذلك أن تلك التقلبات لم تكن لتحدث تغيرات انقلابية على المؤسسات المصرية.
وفى مجال الصحافة على وجه التحديد بينما يلاحظ المراقبون أن التقلبات السياسية كانت كفيلة باختفاء صحف وظهور صحف أخرى فإن ذلك قد حدث في مصر في أضيق نطاق، وكان ذاك الاختفاء أو هذا الظهور يرتبط في العادة بظروف خاصة بالصحف نفسها وليس نتيجة لقرارات سياسية.
يؤكد هذه الملاحظة أن الأهرام قد عايش بامتداد عمره خديويين وسلاطين وملوكًا ورؤساء جمهوريات، كما عرف عصورًا تراوحت بين التبعية للدولة العثمانية والوقوع تحت الاحتلال البريطاني وسنوات الاستقلال الوطنى، فضلًا عن الثورات الكبرى في التاريخ المصرى الحديث، 1882 و1919 و1952، وهى مجموعة تقلبات كانت كفيلة بالقضاء عليه، خاصة وأنه كان دائمًا في قلبها، بيد أن ذلك لم يحدث!
وإذا كانت طبيعة مصر.. بلاد المؤسسات التي صمدت للتاريخ بدءًا من الأزهر ومرورًا بالدواوين ووصولًا إلى الأهرام وراء عراقة "ديوان الحياة المعاصرة" فإن ما استنه الأهرام يقدم تفسيرات أخرى لهذه العراقة..
نعتقد أن رحابة الديوان كانت من أهم أسباب العمر الطويل.. إذ يشير تقليب صفحات الجريدة بامتداد هذا العمر أنه لم يحدث أن سياسيًا ذا قيمة أو مفكرًا ذا شأن لم يجد مكانًا في الديوان.
ولقد كانت لفتة ذكية من "مركز الأهرام للترجمة والنشر" عندما أصدر عام 1986 سجلًا لمئة وعشرة من الكتاب الذين وجدوا مجلسًا في الديوان بامتداد المئة وعشرة كانت التي كانت قد انصرمت وقتذاك من عمر الأهرام، وجاء هذا السجل تحت عنوان "شهود العصر".
ويلاحظ المتأمل في أسماء هؤلاء الكتاب هذه التنويعة المدهشة من رجال السياسة والأدباء والمفكرين والمؤرخين والشعراء والقصاصين والفنانين وكبار رجال الدين والصحافة.. باختصار لم يكن الديوان حكرًا على أصحابه من الصحفيين فقد توافرت فيه دائمًا الأرائك لكل ذي رأى أو صاحب موقف.
وليس من شك أن "رحابة الديوان" كانت وستبقى من أهم أسباب طول عمر الأهرام، فهى باختصار شديد تعنى أن هناك دماء جديدة تصب في عروق الصحيفة العتيدة الأمر الذى لا يجعلها معرضة للتيبس أو التصلب مما كان سببًا في نهاية صحف عديدة أخرى، ويصبح طول العمر في هذه الحالة رصيدًا مضافًا لحساب الجريدة وليس مسحوبًا منه!
ورحابة الديوان تؤكد حقيقة أخرى بالنسبة للأهرام ألا وهى اكتسابها للطابع المؤسسى لا الطابع الشخصى، فالمؤسسات تدوم طويلًا والأشخاص يذهبون مهما طال بهم العمر!
ونظن أن الأستاذ محمد حسنين هيكل قد أدرك هذه الحقيقة عندما تولى المسئولية في الأهرام وكان من بين أهدافه إعادة تنظيمه "على قاعدة مؤسسية قابلة للبقاء والتطور والتجديد" على حد كلماته في كتابه الذى سجل فيه تجربته في العمل في الصحافة.
***
التقاليد تمثل الملمح الثالث من ملامح الأهرام، وديوان بلا تقاليد يتحول إلى أن شيء إلا أن يكون ديوانًا!
ويمكن القول أن أية مؤسسة تحمل على كتفيها تاريخها، ويقينًا فإن النشأة المبكرة للأهرام قد أرست مجموعة من التقاليد كانت من أسباب الطابع الخاص جدًا الذى حظيت به الصحيفة العريقة..
هذا الطابع دفع البعض إلى توصيف الأهرام بالجريدة المحافظة وهو أمر غير صحيح.. وإن كانت المحافظة هنا لا يقصد بها الجمود بقدر ما يقصد بها الأصالة.
وتشبه الأهرام في هذا الجامعة، فكلما طال عمر هذه المؤسسة أرست مزيدًا من التقاليد تضفى عليها الأصالة وهو الأمر الذى مهما بذلت المؤسسات المحدثة من جهود لإرسائه فإنه يبقى متطلبًا لعنصر الزمن الذى لا تستطيع أن تصنع، لكن تستطيع أن تنتظره!
فكمبردج وأكسفورد في إنجلترا والسوربون في فرنسا لا تستطيع أن تعدلها جامعات أخرى في غرب أوروبا، والفيجارو والتايمز لا تستطيع أن تباريهما أيضًا صحف أخرى في نفس هذا العالم.
وإذا كانت الأصالة تنصرف في جانب منها إلى الشكل فهى تنصرف في جانب آخر إلى الموضوع..
في الشكل يبقى الشكل الوقور الذى تحافظ عليه الأهرام فلا ألوان صارخة ولا نكات خارجة، فضًا عن أن أية تغييرات في الشكل تحدث تدرجًا ودون إشعار للقارئ أنه قد صحا ذات صباح فوجد بين يديه صحيفة غير تلك التي اعتادها!
في الموضوع يبقى التدقيق معيارًا أساسيًا من معايير الجريدة العتيدة، وينسحب التدقيق على الخبر بنفس الدرجة التي ينسحب بها على الصياغة وعلى المقال وحتى على العناوين، فالإثارة لم تكن أبدًا بضاعة للأهرام!
وهذا الطابع المحافظ والذى قد لا يلقى هوى في نفوس نوعية خاصة من القراء، إلا أنه في النهاية يلقى الاحترام من جميع القراء، وذلك بحكم ما يضفيه من قدر عال من المصداقية التي تظل أحد أهم أسباب المكانة المتميزة لديوان العالم الحديث.
بمعنى آخر مجموعة التقاليد التي أفرزها الأهرام في عمره المديد بدلًا من أن تجويه إلى صحيفة "عتيقة" صنعت منه "صحيفة عريقة" والفرق كبير!
***
الملمح الرابع من ملامح الديوان وكان محل اختلاف الباحثين ذلك الموقف الذى آثر الأهرام الالتزام به أغلب سنى عمره، وهو موقف قائم على عدم التورط في الصراعات السياسية الداخلية خاصة إذا كانت صراعات حزبية، وهو موقف دعا البعض إلى النظر إلى الجريدة باعتبارها صحيفة لا لون لها أو على الأقل بلا موقف!
وباستثناء فترة قصيرة اعتبر الأهرام نفسه خلالها الناطق بلسان الوفد المصرى ابان احتدام أحداث ثورة 1919، وهو موقف قومى أكثر منه موقف حزبى، فإن الأهرام قد حرص على أن يفسح في ديوانه مكانًا لكافة الفرقاء، يدلى كل منهم برأيه فيه، حتى لو كان هؤلاء الفرقاء ينتمون إلى حزب واحد.
سجل هذه الحقيقة الدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته عن شهر ديسمبر 1927، وكان الدكتور هيكل وقتئذ رئيس تحرير أشهر صحيفة حزبية في مصر.. صحيفة "السياسة" الناطقة بلسان الأحرار الدستوريين.
يروى الرجل أنه قد حدث آنئذ أنه كان يتنازع الحزب اتجاهان، يرى فض الائتلاف الذى كان قائمًا مع الوفد وقد انضم إليه رئيس تحرير السياسة، واتجاه آخر يسعى إلى الإبقاء عليه وكان يمثله وكيل الحزب محمد محمود باشا..
وعندما أراد الأخير أن يعبر عن ذلك في جريدة الحزب ردًا على مقال كتبه رئيس تحريرها تحت عنوان "نريد ائتلافًا خالصًا، وأساس الائتلاف الخالص الصراحة"، ورفض الدكتور هيكل نشر مقال محمود باشا، فما كان من محمود إلا أن ذهب بمقاله إلى الأهرام الذى نشره له.
وعزوف الأهرام عن التورط في الانحيازات الحزبية، سواء كان الحزب الذى تنحاز له في الحكومة أو في المعارضة، وإن حد الطابع المثير الذى تخطى به الصحف الحزبية والذى قد يروق لنوعية معينة من القراء، إلا أن الإثارة عمرها قصير في العادة، ثم أنها تترك بصمات سلبية في أغلب الأحوال على الصحيفة التي تنحو هذا النهج، بحكم ما يؤدى إليه من تقليل درجة المصداقية، وهو الأمر الذى استمر القائمون على "ديوان الحياة المعاصرة" حريصين عليه، أكثر من حرصهم على زيادة مؤقته في التوزيع على حساب المصداقية.
وإذا كان التوصيف "بالقومية" و"الحزبية" هو توصيف جديد ظهر فقط في أواخر سبعينيات القرن العشرين، وبعد ظهور الصحف الحزبية الجديدة التي نشأت مع آخر التجارب الحزبية المصرية، وبعد قرن كامل من ظهور الأهرام، فإنه يمكن القول أن الأهرام كان صحيفة قومية قبل ذلك بكثير.
في التجربة الحزبية الأولى السابقة على عام 1914 لم سحب الأهرام على الحزب الوطنى أو على خصومه، ثم في التجربة الثانية الممتدة بين عامي 1919 و1952 وباستثناء فترة قصيرة خلال الثورة فقد حافظ الأهرام على نفس النهج، ولم يحسب للوفد أو لخصومه، واستمر الجميع يلجأون إليه في الوقت المناسب كما فعل محمد محمود، الأمر الذى يضفى على الصحيفة العريقة الصبغة القومية منذ هذا الوقت المبكر!
***
يبقى من التسمية التي اختارها الدكتور طه حسين للأهرام توصيفه بأنه ديوان "الحياة المعاصرة".
وإذا كان العميد قد عنى من التسمية أن الاهرام قد عبر دائمًا عن عصره فإننا نضيف إلى هذا القول أن الأهرام قد عاش أكثر من عصر بدءًا من عصر الخديو إسماعيل وحتى عصر مبارك!
وقد ارتبطت مؤسسات كثيرة بالعصر الذى نشأت فيه واختفت مع أفول شمسه، الأمر الذى انطبق على الصحافة.
عصر إسماعيل اشتهرت فيه "التجارة" و"الوطن"، الثورة العرابية ارتبط باسمها "المفيد"، فترة الاحتلال عرفت "المقطم" و"المؤيد" و"اللواء"، فترة ما بعد ثورة 1919 وحتى ثورة 1952 عرفت "السياسة" و"البلاغ" و"الجهاد" و"كوكب الشرق" و"المصرى"، وهو ما لم يحدث بالنسبة للأهرام الذى بقى قائمًا رغم تعاقب العصور، الأمر الذى يتطلب تفسيرًا..
وإذا كان البعض قد عزا هذا لأسباب سياسي فيما تمثل في نجاح الأهرام في الإبحار وسط أمواج السياسة العاتية فإن هذا التفسير وحده لا يكفى!
فالانتقال من عصر إلى عصر كام يتطلب مهارة الإبحار يتطلب أيضًا إدراك معطيات العصر الجديد والتلاؤم معها، وهو ما نجح فيه الأهرام.
وبأى المقاييس ولمن يتابع مسيرة "ديوان الحياة المعاصرة" يجد أن الأهرام جريدة لا تهرم ولسبب بسيط وهو أن القائمين عليها كانوا يأخذون أولًا بأول بأسباب الحداثة..
ومنذ العدد الأول، بل العدد السابق عليه والذى أصدره أصحابه تحت عنوان "مثال الأهرام" والذى صدر يوم 15 يوليو 1876 قبل صدور عدده الأول بثلاثة أسابيع، فإن الأهرام قد حرص على التأكيد على أخذه بأسباب الحداثة التي تلائم مصر: "كيف لا ولمصر حقوق البلاد المتمدنة الغنية بالعلم والمال"، وهو في هذا لم يجد ضيرًا في التشبه بالعالم المتقدم فيما عبر عنه في أواخر العام الأول الذى صدر فيه وهو يحدد النهج الذى قرر أن يسير عليه بقوله:
"فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح".
والحداثة هنا لم تقتصر على شكل الصحيفة أو على تحريرها وإنما امتدت إلى أن أصبحت جسرًا من جسور التحديث في مصر، بل وفى المنطقة العربية..
علاقتها بالعالم المتقدم تبدت في عنايتها الخاصة بأخبار أوروبا، وهى عناية لم تقتصر على إفساحها مكانًا ملحوظًا "للتلغرافات" التي كانت تصلها من رويتر وهافاس (وكالة الأنباء الفرنسية)، وإنما امتدت إلى تقديم أهم ما يصدر في المجلات والصحف الغربية فضلًا عن تناول أهم ما كانت تخرجه المطابع في تلك البلاد.
وبين العراقة والحداث تمتلئ مجالس "ديوان الحياة المعاصرة" بالصور التي تروى تاريخ مصر والعالم بشكل شديد الامتاع وجزيل الفائدة، الأمر الذى يستحق المتابعة!
-----
مراجع:
الأهرام: المثال 15 يوليو عام 1876
العدد الثانى 12 أغسطس 1876
مركز الأهرام للترجمة والنشر: شهود العصر الأهرام 110 مقالات و110 أعوام، القاهرة 1976.
محمد حسنين هيكل: بين الصحافة والسياسة. الطبعة السادسة، بيروت 1985
د. محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية ج1 - 1912 - 1937، القاهرة 1937.

صورة من المقال: