المرأة المصرية بين السفوريين والحجابيين!
د. يونان لبيب رزق
نشر فى جريدة الأهرام الخميس 27 أغسطس 1998م
الكاتبات يوقعن بأسماء مستعارة.. وبعض الرجال أيضا!
على الصفحة الأولى من عدد الأهرام الصادر يوم الخميس 27 مايو عام 1915 أعلنت جريدتنا أنها قد أقفلت باب المباحثة بين السفوريين والحجابيين فى المرأة المصرية بعد ما سرد كل فريق ما عنده من الحجج والبراهين, وهو باب كان قد فتح بدءا من يوم 24 فبراير فى معركة طويلة أفسحت الأهرام خلالها مساحة معتبرة من صفحاتها لمعركة نشبت بين أنصار استمرار إبقاء المرأة المصرية تحت الحجاب والداعين إلى خلعه, نشرت خلالها أكثر من ثلاثين مقالا لهؤلاء وأولئك, ومع أن المعركة ليست جديدة فقد بدأت قبل ستة عشر عاما فى أعقاب نشر قاسم أمين لكتابيه الشهيرين.. تحرير المرأة والمرأة الجديدة, غير أنه مما يلفت النظر اشتعال أوارها فى هذا الوقت بالذات الذى اشتعلت خلاله نيران الحرب العظمي, والتى بدأت وقتئذ فى الاقتراب من مصر بعد أن أخذت الجيوش التركية فى الزحف باتجاه قناة السويس.
ومع ما يبدو لأول وهلة أنه ليس ثمة علاقة بين الحربين, فالحقيقة أنها كانت موجودة, ذلك أن تطورات الحرب بالمدافع قد أدت إلى ثقل يد الرقابة البريطانية المفروضة على الصحف, حتى أنه لم يكن أمام القائمين عليها سوى أحد خيارين, إما القبول بعسف الرقابة والتعرض لتعطيل جرائدهم أو على الأقل خروجها فى ثوب مهلهل بعد أن يقص الرقيب من مادتها ما شاءت له التعليمات, وإما تناول موضوعات لا تخضع لأقلام الرقباء, وقد وقع اختيار الأهرام على النهج الثاني.
وليس من شك أن هذا النهج كان يفقد الجريدة كثيرا من أسباب جاذبيتها, الأمر الذى نتبينه بسهولة من تقليب الأهرام خلال فترة الحرب, صحيح أنها خصصت بابا يوميا لأخبارها تحت عنوان حروب الأمم, غير أن قارئ هذا الباب يلاحظ أن الأهرام كانت حريصة على أن تعرض رأيها فيما يجرى فى أضيق الحدود, اللهم إلا بعد أن حدث وحاول الأتراك والألمان النفاذ إلى مصر عبر سيناء, ولهذا حديث آخر, كما تقلص حجم المقالات أو التعليقات عن مجريات الحياة الداخلية التى تأثرت كثيرا بظروف الحرب, وكان مطلوبا البحث عن بديل!
الحل فى تقدير المسئولين عن الأهرام كان إفساح صفحاتها لمعارك يمكن أن ينشغل الناس بها, وتعطى للجريدة بعض أسباب الجاذبية التى كانت تفتقر إليها, وكانت معركة الحجاب والسفور جاهزة لتعالج هذا الوضع, وهى معركة ما كانت تهدأ إلا لتشتعل.
يتضح ذلك من أنه قبل ما يزيد قليلا على عام من اشتعال تلك المعركة التى نتابعها هنا, عنيت الأهرام بأخبار تأليف جمعية أسسها بعض الشبان الأذكياء, على حد توصيفهم لأنفسهم, تحت اسم جمعية تحرير المرأة برفع الحجاب, ويقول أصحابها أن قاسم أمـين كان أول مـن فكر فـى إقـامة جمعية تحت هـذا الاسـم, غير أنـه لم يتسن له إدراك غايته فأدركته يد المنون مأسوفا عليه, وأن ما لم تكن تسمح به الظروف فى مطلع القرن تغير خلال عقد ونصف بعد أن تبدلت الأحوال وتغيرت الآمال وتقدمت البلاد تقدما محسوسا.
يقول أحد مؤسسى هذه الجمعية, واسمه محمود أحمد, أنها وجهت همها إلى رواج الفكرة فأرسل أعضاؤها خطابات صغيرة تشير إلى تأليفها إلى عدد من الشبان, وأنها بصدد وضع قانون لتبيان مبادئها وأغراضها والطرق الموصلة لتلك الأغراض, غير أنه يعترف بأن الفكرة قد لقيت مقاومة شديدة بدت فى الحملات الصحفية التى تعرضت لها, حتى أن أحد أعضائها, واسمه محمد متولي, يتحدث عن الخطابات التى دست على أعضاء الجمعية باسم مؤسسها والتى جاء فيها الادعاء بأنه وضع شروطا غريبة للانضمام إليها.. الإضراب عن الزواج لمن كان غير متزوج, أخذ الضمان الكافى على المتزوج برفع حجاب زوجته وبناته!
ولا ندرى مصير هذه الجمعية بعد تلك الأخبار التى نشرها عنها أعضاؤها فى الأهرام فى أواخر عام 1913 فقد انقطعت تلك الأخبار بعد وقت قصير, ربما لأن الفكرة لم تظهر إلى حيز الوجود, وربما لأن جريدتنا كانت منشغلة بما هو أهم, وهو الأمر الذى أصبح مختلفا بعد دخول مصر فى خضم الحرب, فقد أصبحت مثل تلك الموضوعات هى الأهم!
من آدم إلى حواء الجديدة- رسائل مفتوحة إلى السيدة المصرية سلسلة من المقالات وضعها قارئ اسمه حسن الشريف بدأت الأهرام نشرها فى يوم 24 فبراير عام 1915, ومع أن الرجل لم يتعرض فى مقالاته الثلاثة الأولى من بعيد أو قريب لقضية الحجاب, غير أن تلك المقالات كانت الطلقة الأولى فى المعركة بين الحجابيين والسفوريين.
بدا حرص صاحب المقالات فى تجنب الخوض فى هذا الموضوع الحساس مما استهل به مقاله الثالث من قول وعدتك أيتها السيدة منذ رسالتى الأولى بأن لا أمس مسألة حجابك التى لاكتها الألسن وخاضت فيها الأقلام مدة طويلة وإنى ما زلت حافظا لوعدى وما جئتك اليوم ناصحا برفعه ولا قائلا ببقائه, وهو وعد لم يستطع صاحبنا الاحتفاظ به طويلا.
السبب" خنساء الريف", وهو اسم مستعار لإحدى قارئات الجريدة والتى بدأت بدورها يوم10 مارس فى نشر سلسلة من المقالات تحت عنوان من حواء إلى آدم الجديد, لم تتهيب منذ أولها فى أن تخوض فى الموضوع الحساس.. الحجاب والسفور.
ففى جانب من هذا المقال تعرب عن رأيها أن التربية هى أساس الأخلاق ونموذج الطهارة أرونى فتاة مهذبة أصرح لكم ألا تقيدوها بهذا الحجاب الشفاف الرقيق.. يعجبنى بنت الريف الفطرية بردائها البسيط ووجهها الصبوح وهى تحيى عارفيها بمنتهى السذاجة والإخلاص, وقالت فى جانب آخر إنى أصرح جهارا بأن هذا الحجاب كان واسطة لارتكاب موبقات تميد من هولها الأرض وتهتز لذكرها السماء!
شجع ذلك آدم على أن يسقط تهيبه ويسفر عن حقيقة رأيه فى مسألة الحجاب والسفور, مما كان موضوع مقاله الرابع الذى ذهب فيه بعيدا إلى الدرجة التى دعا معها النساء إلى خلع الحجاب فورا وليس بالتدريج, وطالب بأن تطول فترة الخطوبة ليمتحن كل من الخطيبين حقيقة مشاعره تجاه الآخر, وهو يخرج من ذلك إلى التساؤل لو كان فى مخالطة الرجال للنساء مفسدة للطرفين فلماذا حكم على المرأة بالسجن وترك للرجل كامل الحرية يتمتع بها كما شاء وشاءت أهواؤه؟؟ وحاول أن يدلل على فساد المقولة بأن سفور النساء فى الغرب دفعهن إلى الدعارة, وكان رأيه أن السبب ليس السفور وإنما سوء استخدامه, وخلص أخيرا إلى القول أنه لو لم يكن فى الحجاب سوى سلب حرية المرأة لكفى ذلك لمحاربته والحرية حق طبيعى للأفراد.
وبدا حتى ذلك الوقت وكأن المعركة من جانب واحد.. جانب السفوريين, غير أن حدة المقال الأخير لحسن الشريف دفع بالحجابيين إلى دخول الميدان, كان أولهم موظف بالجامعة المصرية اسمه محمد رضا الذى تصدى لصاحب مقالات" من آدم إلى حواء الجديدة" فى مقال تحت عنوان المرأة والحجاب نشرتها له الأهرام فى عددها الصادر يوم 2 إبريل.
أول ما فعله محمد رضا أن أعرب عن دهشته من الدعوة لترك الحجاب فجأة, وهى دعوة مآلها الفشل فى رأيه إذ العادات القديمة المتأصلة لا يتخلى عنها بمجرد دعوة أو نصيحة أو مقالة وقد قال علماء الاجتماع إن من أراد حمل أمة على ترك عادة قديمة متأصلة بسرعة فقد رام محالا", واستهجن بعد ذلك الدعوة إلى طول معاشرة الخطيبين لما يترتب على ذلك من فساد, وسخر من فكرة مساواة الرجل بالمرأة" فهو الذى يسعى للكسب والنفقة على الزوجة والأولاد.. فهل من الحكمة أن نقول لمن هذا شأنه احتجب فى البيت وتنقب.
مداخلة أخرى للرد على نفس المقال من نصير للحجاب اسمه محمد طاهر المخزنجى الذى ركز على ما جاء فى قول حسن الشريف من أن الحجاب يمنع المرأة من التردد على معاهد العلم والتجول فى البلاد ومن مشاهدة الآثار والسياحة فى الأقطار" فيستنكر ذلك بقوله لماذا يمنع الحجاب المرأة من ذلك" هل لأنه يحفظ لها حياءها وهو الذى يمثل ملاك الطهارة والعفة والحد الفاصل بين الفضيلة والرذيلة!
دفع ذلك الشريف أن يعود مرة أخرى للميدان فى مقال خامس ليرد على الانتقادات التى وجهت إلى مقالاته السابقة, من حيث أطلق مجموعة من السهام..
السهم الأول وجهه إلى المتسائلين عن الأسباب التى لا تدعو إلى محاربة الرذيلة بسلاحين.. سلاح التربية وسلاح الحجاب, فيما جاء فى قوله نحن نقول بل نحاربها بكل الوسائل على شرط أن لا يكون فيها ما يعود بالضرر على المجموع وهانحن نرى أبطال المحافظين ينصحون بمحاربة الرذيلة بالحجاب, وهو رذيلة أكبر منها; يطلبون أن تربى المرأة على مبادئ الحرية وأن لا نحترم حريتها, يريدون أن نعلمها العفاف وأن لا نعتقد فى عفافها, يرغبون أن نبث فى روحها الشرف والطهارة وأن لا نؤمن بشرفها ولا بطهارتها, يودون أن نعهد إليها صلاح أبنائنا وأن نشك فى صلاحها, يرومون أن نعتبرها انسانا وأن نسلبها أشرف مميزات الانسان فيا الله هل هذه آراء قوم يعقلون؟؟!
انطلق السهم الثانى إلى ما ظل يقوم به دعاة المحافظة على الحجاب من القول أن البديل هو السفور على النمط الأوربي.. البديل فى رأيه السفور على نمط فلاحات القرى ولا أظن أن هناك من يدعى أن الفساد منتشر فى القرى ونساؤها سافرات انتشاره فى المدن ونساؤها مقنعات محجبات.
السهم الأخير وجهه إلى تذرع أنصار المحافظة على الحجاب بالأسباب الدينية فيما جاء فى قوله إذا كان الإسلام قد أمر بالحجاب فإنما أمر به فى القرون الوسطى ونحن اليوم فى القرن العشرين ويجب أن نراعى أحوال الزمان والمكان فى تطبيق أحكام الشرائع والقوانين.
وقبل أن يفرغ الشريف ما فى جعبته عادت خنساء الريف تدخل الميدان وتعقد ما يشبه التحالف, ولو على الورق, مع صاحب مقالات من آدم إلى حواء الجديدة, وهو التحالف الذى بدا من وصفها لحسن الشريف بأنه الكاتب الديموقراطى الحر الذى رأيته يخوض عباب موضوعنا الخطير بقلم ثابت وجنان رزين وكأنه ميرابو يقف فوق رابية الحرية ويصيح: إلى الأمام!
وإذا كان الشريف قد لجأ إلى توجيه السهام فقد قامت الخنساء برفع عقيرتها على نحو خطابى ملفت بقولها: تطالب النساء فى العالم المتمدن بانتخابهن ليحزن مقاعد النواب وليظهرن للعائلة البشرية أنهن كفؤ لأخطر المراكز, وفى جمهورية جزيرة موناكو- بقرب إيطاليا- تزاحم المرأة ابن آدم فى الرئاسة. ونحن هنا إذا ما طالبنا بحق ثانوى وأعنى محو تلك الخرافة البالية صاحوا فى وجوهنا: لسنا فى أوربا. سلوا إسماعيل باشا فى قبره ينبئكم أن مصر قطعة من أوربا. وسلوا أغاخان فى كتابه(المرأة فى الإسلام) يجيبكم: عاشت المسلمات 600 عام من التاريخ الهجرى سافرات الوجوه.
وتنهى خنساء الريف هذه الخطبة الحماسية بقولها:كفى عبودية 734 سنة إذ نحن الآن فى عام 1334 هجرية. كفى رقا سبعة قرون ونيفا, كفانا استعباد 1260570 يوما, وكل يوم 24 ساعة!
ولم تكتف صاحبة مقالات من حواء إلى آدم الجديد بالخطب الحماسية, أو بالإعراب عن تأييدها لحسن الشريف, وإنما انبرت للهجوم على منتقديه فانتقدت رضا أفندى لأنه خرج عن آداب الحوار لأنه أنزل عليه صواعقه وجام غضبه وحاول أن يحط من كرامته الذاتية متخيلا أن هذا هو الفوز.
كان هذا بعض ما جاء فى المقالة الرابعة للخنساء ازدحم بعدها ميدان المعركة واختلط الحابل بالنابل الأمر الذى بدا معه وكأنه قد أسقط فى أيدى القائمين على تحرير الأهرام..
من زحام المقالات الشديد حول قضية السفور والحجاب التى اكتظت بها الأهرام خلال المرحلة الأخيرة من المعركة الممتدة بين منتصف إبريل ومنتصف مايو, يمكن تسجيل عدد من الملاحظات:
1) إن عددا غير قليل من النساء شاركن فى المعركة, وأنهن جميعا وبدون استثناء آثرن التوقيع بأسماء مستعارة; المرأة الجديدة, آنسة بالضواحي, الأسيوطية, زهرة الربيع, قارئة, مقنعة, وكان مثل هذا التخفى أمرا طبيعيا فى ذلك العصر, وقد دخل أغلب نساء هذا العصر مجال العمل العام متخفيات على هذا النحو, رغم أن أغلبهن كن يطالبن بالسفور!
ومع ذلك فليس من الممكن التيقن من احتمال أن يكون هناك بعض الرجال قد تنكروا تحت مسميات أنثوية, ولعلهم إذا كانوا قد فعلوا ذلك فربما لتوفير مزيد من أسباب الجاذبية للقارئ الذى قد يقبل على قراءة ما تكتبه واحدة من تلك المخلوقات الغامضة, كما كان ينظر رجال هذا العصر للمرأة, وربما لاصطناع مزيد من أسباب التخفي!
2) حذا بعض الرجال المشاركين فى الجدال حذو النساء فى استخدام الأسماء المستعارة, وكانوا فى الغالب من الداعين إلى سفور المرأة; ع.ر., ابن الحضر, ز.واقد, بالمقابل فقد كان أبناء حزب الحجابيين يسفرون عن أسمائهم دون ما وجل; مصطفى صبري, محمود كمال, عبد السميع عرابى بطنطا وآخرين.
ويمكن أن نستنتج من هذا أن المناخ العام لم يكن مناصرا للسفوريين, الأمر الذى رغبوا معه فى تجنب الانتقادات التى يمكن أن توجه إليهم من المحيطين بهم فيما لو كشفوا عن أسمائهم الحقيقية.
3) فى جو المعركة العام كثيرا ما كانت تنشب معارك جانبية, كأن يختار أحدهم ما كتبه آخر وينبرى للرد عليه, متخذا نفس أسلوبه فى التخفي, حدث هذا أكثر من مرة وإن كان أظهرها تلك المعركة التى نشبت بين من أسمت نفسها بزهرة الربيع وبين من أسمى نفسه زهر الربيع(!)
4) بينما غلبت على السفوريين الثقافة الغربية فقد بدت غالبية الحجابيين من أنصار الثقافة السلفية, الأمر الذى اكتشفناه من الاستشهاد الواسع من جانب الأولين بكتابات أوربية ومن جانب الأخيرين بالعودة إلى كتب التراث.
وتقدم خنساء الريف, رغم التسمية التى اختارتها, نموذجا مثاليا لأصحاب الثقافة الغربية, كان أظهر أمثلته مقالها الأخير الذى نشرته الأهرام في13 مايو تحت عنوان" نشيد المارسيليز للسفور", مما جاء على شكل قصيدة منثورة نختار هنا بعض مقاطعها..
تقول فى أحد هذه المقاطع لست أبغى شهرة كرهها روسو ولا ثروة نبذها تولستوى ولا ألقابا هجرها غلادستون ولا أوسمة رفضها هربرت سبنسر.. لى آمال وهى تحرير ربات الحجال, وتقول فى مقطع آخر مسكينة هى حواء ذليلة هى المرأة المصرية محكوم عليها من فرعون القاضى النشوم بالسجن المؤبد مدة الحياة فمن الدار إلى جنة أو نار, من المنزل إلى المدافن, من القصر إلى القبر, ومن الرمس إلى جحيم أو فردوس وليعاقب الله الظالم. كما هوجم الباستيل وكسرت أبوابه فى القرن الثامن عشر وخرج منه معتقلو السياسة والصحافة والآداب يجب أن يفتح الباب للمرأة بسلام.
وتقول فى مقطع أخير أليس ممكنا يا فتاة أن تنزعى القناع فتهديه لدار الآثار وأن يكون تذكارا سيئا!! شبيهتك يابنتى جان دارك رفعت الحصار عن أورليان رغم جراحها وتلك أمكم كليوبترة أسرت القائد الرومانى مارك أنطون. أنا لست أطلب منكن أن تقدن جيش الحلفاء وتطردن الجرمان حتى الحدود ولا أن تأسرن معبود البروسيان المارشال هندنبورغ. الأمر مناورة سلمية ضد الحجاب ونشيد المارسيليز للسفور وكن على ثقة بأنى سأمضى شروط الصلح شريفة!
ونعود إلى ساحة الوغى الكلامية فنلاحظ تكرار الحجج التى كان يلقيها كل من الطرفين حتى أن الأهرام عندما قررت إنهاء الحرب وإغلاق الملف كانت حجتها فى ذلك أن كل فريق سرد كل ما عنده من الحجج وصار التكرار عبئا وخرج بعض المتناظرين عن حد المناظرة!
نلاحظ أيضا أنه مع عديد من الصياغات الحماسية, والتى تكشف عن مستوى أدبى رفيع لغالبية المشاركين, فإن جملة حجج الطرفين كانت محدودة ومحددة!
السفوريون رأوا أن خلع الحجاب وراء سر تقدم الأمم وهى الحجة التى أدلت بها المرأة الجديدة فى قولها الأمم الغربية لم تتقدم هذا التقدم الباهر إلا بفضل نسائهن الراقيات المهذبات, فإذا أمعنا النظر فى الفارق العظيم بين المرأة الشرقية والمرأة الغربية لوجدنا من أول وهلة أن أهمها سفور المرأة الغربية وتمتعها بحريتها وتحجب المرأة الشرقية بالقناع وانزوائها عن عالم الحياة الاجتماعي.
رأوا أيضا أن الحجاب وراء بوار سوق الزواج, فأغلب الشبان يحجمون عن دخول قفص الحياة الزوجية ليس لسبب سوى عدم السماح لهم برؤية زوجات المستقبل, وكما قال حسن الشريف أن الفتاة المصرية لا تحصل على الزواج لأن الشاب المتعلم لا يرضى أن يتزوج ممن تسئ تدبير منزله وأحوال معيشته, وتطالب آنسة بالضواحى كل شاب وفتاة أن لا يتزوجا ولا يعقد لهما قران إلا إذا رأيا بعضهما حتى يمكنهما المعاشرة فى السراء والضراء على سنة الدين والشرع.
رأوا ثالثا أن الحجاب لم يمنع انتشار المنكرات بدليل ما نرى من فتك العلل الأخلاقية فى جسم هذه الأمة المسكينة المتمسكة بالحجاب أشد التمسك!
رأوا أخيرا أن الحجاب يقف عائقا دون إتمام الفتاة لتعليمها فيما سجله ع.ر. بقوله كل ما نريده أن لا تحرم المرأة من حظها من العلم الصحيح والتربية الحقة وإزالة العقبات من هذا الطريق والحجاب فى مقدمتها. والمرأة متى ارتقت أول درجة من درجات السفور أدركت عظم منفعته وأخذت هى تسعى للوصول فيه إلى حج الكمال المعقول!
على الجانب الآخر وقف الحجابيون بحججهم..
أولاها تفنيد قول السفوريين بأن الحجاب يحول دون الفتاة والتعليم, فعلى حد قول إحداهن من ذا يقول بأن المرأة محجوزة عن العلم بالحجاب؟ وهل الحجاب يمنع من ذهاب البنات إلى المدارس محتشمات متأدبات. وهل يمنعهم من حضور المحاضرات العلمية وسماعها؟ هل يمنعهن من تأسيس جمعيات وأندية علمية يجتمعن فيها بعيدات عن الرجال لهن نهضة نسائية خاصة بهن؟.
الثانية: والتى ألحوا عليها ما ينتج عن رفع الحجاب من مفاسد, فقد قالت إحداهن أن رفع القناع سيكون سببا فى إسقاط المرأة فى مهاوى الذل والعبودية وفى انتشار الفسوق والعصيان, وقالت أخرى وقعت باسم المقنعة أن اليوم الذى ترفع فيه الفتاة النقاب عن وجهها لهو اليوم الذى فيه تبتدئ الرذيلة بأن تدوس بأقدامها البقية الباقية من الفضيلة والحياء.
الثالثة: أن المرأة خلقت للبيت ولا تفكر لحظة فى تحرير نفسها من ذلك الأسر المحبب إليها فإنها عندما تفرغ من تربية أولادها وغرس مبادئ الشرف فى نفوسهم فأنها لا تهتم بأن تلعب دورا فى العالم الخارجى وأنى لها الزمن؟.
وبعد أن استنفد كل طرف حججه أصدرت جريدتنا إعلانا يوم27 مايو جاء فيه فتحت الأهرام صدرها للكتاب والباحثين فى تعليم المرأة وفى السفور والحجاب وتركت هذا الباب مفتوحا حتى استنفد كل كاتب ما فى جعبته ولم تبق زيادة لمستزيد وعندنا من الرسائل فى هذا الموضوع ما يربو عدده على مائة رسالة لا يتسع المقام لنشرها فنحن نشكر كاتبيها ونعتذر إليهم عن إهمالها لأنا أقفلنا من اليوم هذا الباب, وهو ما نفعله بدورنا بإنهاء هذا المقال!