ads

Bookmark and Share

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

028 ترعة السويس الثانية

ترعة السويس الثانية
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 27 يناير 1994م - 15 شعبان 1414هـ

الصفحة الأولى من العدد 1633 من الأهرام الصادر يوم 5 مايو عام 1883 تضمنت خبراً يبدو للعين المعاصرة غريباً، بل بالغ الغرابة، قال بالحرف الواحد: "قابل اللورد جرانفيل (وزير الخارجية البريطانية) في 26 الماضى وفدين مهمين أحدهما مؤلف من أعضاء مجالس (غرف) التجارة والآخر نائب عن جمعية أصحاب السفن فقدم كل منهما مذكرة يلح فيها عليه بوجوب اتخاذ الاحتياطات لزيادة تسهيل مرور السفن التجارية بين البحر الأحمر والبحر المتوسط وطلب الأول أن تسعى الحكومة في الحصول على قسم من مراقبة أعمال بوغاز السويس نسبة إلى أهمية التجارة الإنكليزية، وأصر الثانى على انشاء بوغاز جديد"! ونتوقف عند هذا الجانب من الخبر..
وأول ما نتوقف عنده التسمية، فقد استخدم المعاصرون بمن فيهم الأهرام خلال تلك السنوات المبكرة تسميات عديدة لقناة السويس، كان منها البوغاز، وكان منها أيضاً القنال، غير أن أكثرها شيوعاً كان الترعة!
ثانى ما نتوقف عنده ما جاء في سياق الخبر من مطلب جمعية أصحاب السفن بضرورة انشاء قناة ثانية مما يشكل صفحة غامضة من صفحات العام الأول من أعوام الاحتلال البريطاني، وهو الغموض الذى تكفل "الأهرام" بتبديده في جملة من أعداده الصادرة في ذلك العام.
وإذا كانت القصة قد بدأت بذلك الاجتماع الذ نوه عنه الأهرام فإن أولى مقدماتها قد لاحت أثناء العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الإمبراطورية في مواجهة الثورة المصرية..
فالمعلوم أنه خلال تلك العمليات وبعد أن تحول الهجوم البريطاني من الإسكندرية غرباً إلى بورسعيد شرقاً كان مطلوباً اقتحام القناة الأمر الذى اعترض عليه المسيو دلسبس، ولم يبال قائد الاسطول البريطاني بهذا الاعتراض متذرعاً بأن مياه "بورسعيد وبحيرة التمساح مصرية، وأن الخديو قد صره له باحتلال جميع المواقع التي يستلزم احتلالها لقمع العصيان"!
ومع أن الأمر انتهى بخضوع دلسبس فان الانجليز لم يرتاحوا "للخطة التي انتهجتها شرك إدارة بوغاز ومستخدموها في غضون عدم انتظام الحالة زمن القتال" على حد تعبير الأهرام!
ومن المقدمات أيضاً ما تأكد خلال السنوات العشر أو ما يزيد قليلاً بين افتتاح القناة والاحتلال البريطاني للبلاد، فبينما زاد عدد السف العابرة عشرة مرات خلال تلك المدة مما بدا معه تعاظم أهمية هذا الممر الدولى الذى أسمته الأهرام بالترعة، فإن 82% من الحمولات التي عبرت القناة خلال تلك السنوات عبرته تحت الراية الإنجليزية.
ولم يكن متوقعاً بعد الزواج الذى نشأ بين الهيمنة السياسية وتعاظم المصالح الاقتصادية أن تقبل حكومة لندن باستمرار الصيغة القائمة لإدارة "الترعة" وهى الصيغة التي اعتمدت على غلبة الكفة الفرنسية تأسيساً على المولد الفرنسي للمشروع...
من جانب آخر فإن موقف حكومة باريس المناوئ للاحتلال البريطاني لمصر لم يتأخر إعلانه كثيراً..
فبعد شهور قليلة من الاحتلال، وفى 3 يناير عام 1883 بعثت الحكومة البريطانية بمذكرة لحكومات تركيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا تبلغهم فيها عما انتوته بشأن المسألة المصرية، وقد تمحور حول قضيتين: حياد "ترعة السويس" الذى وضعت له ثمانية مبادئ والتنظيمات المالية التي قضت بإلغاء المراقبة الثنائية والإبقاء على صندوق الدين على أن تترك رياسته لفرنسا، ولما تساءل الفرنسيون عما إذ كانت هذه الرئاسة تقتصر على توزيع المبلغ المعين لأصحاب الديون أو تشرف على جميع الإيرادات، جاء رد لندن بالاقتصار على التوزيع مما دعا الفرنسيين إلى إعلان رفضهم العرض البريطاني، وبدت بوادر أزمة في أفق العلاقات بين الجارتين اللدودتين.
وفى تلك الظروف بدأت القصة..
***
بعد أيام قليلة من لقاء وفدى الغرف التجارية وأصحاب السفن لوزير الخارجية البريطاني تنبت جريدة التايمز بكل ما هو معروف من صلاتها بدوائر الخارجية الفكرة الداعية إلى حفر ترعة تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط تكون جنسيتها انجليزية صرفة!
أول ما اعتمدت عليه الصحيفة المشهورة في الترويج للفكرة ما تحدثت عنه من "عدم كفاءة الترعة فان المراكب التجارية تجتاز فيها ولكن ببطء فضلاً عما لديها من الصعوبات والتأخر في الطريق لأنها تضطر للانتظار في الأماكن الصيقة إلى أن تأتى قربها وربما استغرق ذلك أياماً متوالية وإذا ارتطم احدها في التراب وهو أمر كثير الحدوث انقطع الاتجار حتى يزول العائق".
عزت التايمز هذا "الخلل الأعظم" على حد تعبير الأهرام إلى "نقص الإدارة لأن رسوم العبور باهظة جداً ودستور الشركة استبدادى ويحمل السفن مصاريف غير ضرورية علاوة على مصاريف العبور الباهظة.. وهكذا أصبحت التجارة في ضرر عظيم ولا سيما تجارة الإنكليز"!
الحل فيما تقدم به ممثلو أصحاب السفن ونشرته التايمز ونقله عنها الأهرام: "ضرورة انشاء طريق جديد بحذاء الترعة الحالية مثبتاً عدم كفاءة هذه الطريق وحدها بالقيام بمطلوب التجارة الآخذة في الازدياد من يوم إلى آخر وإن ازدياد النقل سيشغل كلتا الطريقين بحيث يكون لكل منهما من الايراد ما يقوم بالنفقات وفائض المال المبذول في شأنه"!
السؤال الذى تقدمت به الصحيفة البريطانية المعروفة بعد الحل هو: "ما إذا كانت الترعة الجديدة تقوم بالأمة الإنكليزية أو سواها؟! وجاءت الإجابة طبعاً بالأمة الإنكليزية أو كما قالت بالضبط: "إن هناك أسباباً كثيرة وقويمة تدعو الأمة الإنكليزية إلى القيام به بنفسها لأن الباعث الأول على انشائه هو المصلحة الإنكليزية فإن أربعة أخماس السفن المارة بالترعة الحالية تخص الشركات الإنكليزية وبما أن المقصود الآن هو تحسين الصلات بين بريطانيا ومستعمراتها وممالكها في الشرق فتكون المسألة والحالة هذه وطنية محضة والأوفق أن تكون الطريق ملكاً للشعب الذى له فيها المصلحة الأولى سواء كان في استخدامها لحاجاته أو في حفظها واستخدامها للغاية المطلوبة"!
وكان لقاء ممثلي الغرف التجارية وأصحاب السفن مع اللورد جرانفيل والنشر عنه بهذا الشكل بمثابة رسالة أولى موجهة لحكومة باريس مفادها أنه إذا استمرت في رفضها لما جاء في "المذكرة البريطانية" فإن أولى ضحايا هذا الرفض ستكون أغلى المصالح الفرنسية في مصر.. ترعة السويس!
ولم يتأخر رد الفعل الفرنسي والذى رصده الأهرام أيضاً في صفحته الأولى في عدده الصادر يوم 26 مايو عام 1883 تحت عنوان "فرنسا وترعة السويس".
أول ما ذكر به الفرنسيون أن الامتياز الممنوح للشركة يخولها وحدها الحق "بحفر ترعة بين البحرين" وهو ما أقره الاتفاق المبرم بين الشركة وبين الكولونيل ستوكس الذى كان مندوباً "من قبل إنكلترا النائبة عن باقى الدول"!
تبعوا ذلك بالقول "أن ترعة السويس تعتبر ترعة فرنسية عمومية لأن اثباتها قد اقتضى اشتراك أفكار العموم فيها ولذا لا تراعى فيها فقط حاسات (مشاعر) المساهمين.. بل الأمة عموماً التي تعد الافتكار بحفر ترعة أخرى ضربة أليمة يراد بها نزع عظمة العمل الذ أتمه أحد رجالها العظام"!
من بين ما رصده الأهرام أيضاً أن قطاعاً هاماً من الفرنسيين نظر للمشروع الانجليزى باعتباره من "أعمال الغدر والخيانة" وكان رأيهم في ذلك أنه "منذ استولت إنكلترا على نصف الأسهم تقريباً ومنذ كان لمندوبها مقام في مجلس الشركة أخذت فرنسا تنظر إليها بمنزلة شريك في تلك الترعة فيتعذر عليها إذ ذاك أن ترى شريكتها تحولت لمقابلة المشروع الفرنسي إلى عدو يروم تخريبه"!
آخر ما رصده الأهرام واندهش له رد الفعل الهادئ للمسيو دلسبس تجاه المشروع الجديد فقد قابله على حد تعبير كاتب الأهرام "بارتياح بال وعدم مبالاة فيما أظهره للذين وفدوا إليه للتكلم معه في هذه المسألة وإذا فرضنا أن هذه هي احساساته الذاتية فالمساهمون والأفكار العمومية لا توافقه على عدم مبالاته ولا تجاريه على سكوته"!
ويبدوا أن الرجل كان الوحيد الذى أدرك منذ ذلك الوقت المكر الطبيعة السياسية للمشروع وأنه مع تسوية العلاقات بين باريس ولندن سوف يدخل في طى النسيان. وهو ما حدث بالفعل!
***
مع ردود الفعل الانتقادية للمشروع الانجليزى فإن دوائر فرنسية عبرت عن ردود فعل تقوم على حرمان حكومة لندن من ذرائعها للمضى قدماً في مشروعها..
عبرت عن ذلك جريدة "الديبا" التي نقل عنها الأهرام مقالاً طويلاً حول الموضوع في أول يونية عام 1883..
أول ما جاء في هذا المقال أن الشركة الفرنسية قد عقدت العزم من زمن على أن تنفق نحو ثلاثين مليون فرنك في خدمة توسيع البوغاز ويمكنها الذهاب إلى أبعد مما ذكر إذ بوسعها أن تنشئ هي نفسها بوغازاً ثانياً موازياً للأول تجعل الواحد للذهاب والآخر للإياب على نحو ما هو جار في السكك الحديدية الكبيرة"!
ذكرت "الديبا" بما جاء في الامتياز الممنوع للمسيو دلسبس بأنه له "السلطة المفردة بتأسيس وإدارة شركة لحفر وانشاء بوغاز في برزخ السويس" وانتقلت من ذلك إلى التساؤل "هل يفهم من ذلك أنه يجوز لخلافه خرق بوغاز ثان يمر حوالى البحيرات المرة وبحيرة التمساح وهى لم تدع بحيرات إلا لأن شركة المسيو دلسبس جلبت إليها الماء"!
ناقشت الصحيفة الفرنسية أيضاً مسار الترعة الجديدة وهل هي بموازاة الترعة القديمة أم أنها ستبدأ من السويس أو مكان ما على البحر الأحمر إلى الإسكندرية والتي وجدت "على عهد الامبراطور الرومانى تراجان (98 - 117م)، وأن حكومة إنجلترا أو أية حكومة أخرى تستطيع أن تحصل من الحكومة المصرية على امتياز انشاء مثل هذه الترعة"!
أخيراً قدمت الصحيفة الفرنسية اقتراحاً ينهى شكوى أصحاب السفن الإنجليزية من زيادة الرسوم التي يدفعونها مقابل العبور، وكان اقتراحاً غريباً بأن تدفع الحكومة البريطانية عائد أسهمها في القناة لهؤلاء.
"وهو يقوم مقام نصف المبالغ التي يدفعونها رسوماً للمرور"(!) وكان بمثابة الاقتراح المستحيل لمن يعرف ألف باء السياسات البريطانية.
***
خلعت قضية حفر "ترعة السويس الثانية" ثوبها الاقتصادى وارتدت ثوبها السياسى بعد المقال الذى نشرته التايمز ونقله عنه الأهرام في 18 يونية عام 1883..
حذرت التايمز مما أسمته "التساهل الظاهرى الذى تساهل به المسي ودى لسبس" بتسهيل العبور "سواء بحفر ترعة جديدة موازية للترعة السابقة أو بتوسيع الترعة الحالية أي جعل المسافة بين ضفتى الترعة من 60 إلى 80 متراً" أو بتخفيض الرسوم، ورأت أن نوال أصحاب السفن الإنجليزية لهذه الغاية انما يعنى قبولهم "بالأمور الطفيفة دون أن يبالوا بما يتعلق بالمستقبل سياسياً كان أو تجارياً".
واستطردت الصحيفة العتيدة المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بدوائر الخارجية البريطانية منبهة إلى خطر القبول بمثل تلك المقترحات التي تؤدى إلى "تضاعف تقدم المشروع التجارى للمسيو دى لسبس بينما تبقى تجارتنا مقيدة بروابط شركة وحركاتنا البحرية والعسكرية موضوع للمداخلة كما جرى في مصر السنة الغابرة" وخلصت من ذلك إلى القول أن مثل ذلك القبول يعنى أن "الحكومة الإنكليزية لا تفى حسياً بواجباتها نحو الأمة إذا كانت تبيع حق اتصالنا مع الشرق بأكلة من العدس"!
ومع ما أظهره رجال الخارجية البريطانية من خلال التايمز من تقديرنا للمسيو دى لسبس غير أنهم طلبوا منه ومن رجال الشركة "ألا يؤاخذونا في الدفاع عن مصلحتنا التي سوف تتعاظم من جراء أن الأمم آخذة بالازدياد في اوستراليا وزلندا الجديدة والهمة مصروفة إلى احياء مستعمرات ف بورنيو وغينيا الجديدة وأن سكان الهند والصين يتقدمون سنة فسنة إلى الاختلاط مع الغرب والتداخل مع أهليه وعوائده وهؤلاء جميعاً لا طريق لهم إلينا إلا في الترعة السويسرية فهل من باب الحكمة أن تكون تجارة السبعة أو الثمانية ملايين من العالم وأهم مصالح مملكة لا تغرب الشمس عن أملاكها تحت مراقبة وحكم المسيو دى لسبس"!؟
وبينما كانت المناقشات محتدمة داخل البرلمان البريطاني من جانب وعلى صفحات الجرائد الصادرة في لندن وباريس فيما إذا كانت القضية ذات طبيعة سياسية أو تجارية من جانب آخر كانت ضغوط الحكومة البريطانية تتزايد على الفرنسيين لتقديم تنازلات سواء على مستوى "الترعة" أو على مستوى المسألة المصرية برمتها..
هذه الضغوط التي أسمتها الأهرام "بعبارات التنديد وفصول التنكيت والتهديد" شملت تباطؤ الانجليز في السير قدماً في بناء نفق المانش أو ما أسماه الأهرام "بالسرداب" وهو مشروع كان الفرنسيون أكثر تلهفاً على استكماله، منها أيضاً العراقيل التي أخذت تبثها بريطانيا في طريق الهيمنة الفرنسية على جزيرة مدغشقر، منها أخيراً مسألة الحجر الصحى الذى فرضته الحكومة البريطانية في جزيرة مالطة "على واردات المرافئ الفرنسية في البحر المتوسط" وهو ما علق عليه الأهرام بقوله "حالة كون المرافئ المذكورة سليمة وخالية من الأوبئة والأمراض.. فهذه الأخيرة قد هيجت الفرنسيين وأججت نيران الغضب في صدورهم"!!
وكان مطلوباً حل الأزمة..
***
لم يتأخر الحل كثيراً، وقد جاء على شكل اتفاق بين "شركة ترعة السويس وأصحاب السفن من الإنكليز" نشره الأهرام في الصفحة الأولى من العدد رقم 1801 الصادر في 26 نوفمبر عام 1883..
تضمن هذا الحل ستة شروط، الشرطان الأولان منهما يتيحان مزايا مالية للأسهم التي تملكها الحكومة البريطانية والتي تبلغ 44% من جملة الأسهم تعادل المزايا التي تتمتع بها 56% الأخرى من الأسهم التي يملك أغلبها الفرنسيون.
الشروط الثلاثة التالية كانت ذات طبيعة سياسية فقد توخت في نهاية الأمر خلق مشاركة بريطانية فعالة في إدارة القناة، أول هذه الشروط أقر "أن يكون في إدارة الشركة 44 في الماية من الإنكليز و56 من الفرنساويين" الشرط الثانى وافق الفرنسيون بمقتضاه "أن يجعل للإدارة مركزاً في إنكلترا كالمركز الذى لها في فرنسا"، وأخيراً تم الاتفاق على "أن تقام القضايا المختلف عليها أمام المحاكم الإنكليزية".
وبينما تم الاتفاق على كل الشروط السابقة فان خلافاً قد نسب حول استخدام الفائض من الايراد وما إذا كان يخصص "لأجل تخفيض الرسومات المضروبة على البضائع والسفن المارة في الترعة" أم لتحسين أوضاع المرور فيها وقد تمت تسوية هذا الخلاف بالاتفاق على الحل الثانى.
وقد قادت هذه التسوية إلى إعادة طرح التساؤل عما إذا كان تحسين أوضاع المرور يتطلب حفر ترعة جديدة أم توسيع وتعميق الترعة القديمة، وإن كان يلاحظ أن الطرح هذه المرة قد انصب أساساً على الاعتبارات الاقتصادية ولم يعد له هذا الطابع السياسى الذى كان يقوم على حفر ترعة انجليزية مقابل الترعة الفرنساوية.
تبدو غلبة الطابع الاقتصادى من أن دوائر الخارجية البريطانية نفسها أخذت تميل لفكرة التعميق والتوسيع وتتخلى عن فكرة الترعة الثانية فيما تحدثت به التايمز ونقله عنها الأهرام في 30 نوفمبر عام 1883.
جاء في الأهرام بالحرف الواحد أن مكاتب التايمز الباريسى "ذو المعرفة الكلية في فن الهندسة قد بعث إلينا برسالة يدحض فيها آراء من يرتأون بوجوب فتح ترعة ثانية وذلك بناء على أن توسيع الترعة الحالية وتعميقها يقتضيان كلفة أقل وعملاً أسهل".
ويبدو أن عدول دوائر الحكومة البريطانية عن فكرة الترعة الثانية لم يصدر فقط عما أصبح لها من مشاركة فعالة في إدارة الترعة بل صدر أيضاً من مطالبة المسيو دى لسبس من تلك الحكومة أن تدفع نصيبها ف التكاليف الكبيرة لانشاء الترعة الجديدة والتي لم تر مبرراً كافياً لدفعه!
وقد جاءت زيارة المسيو دى لسبس إلى ميناء ليفربول الانجليزى المشهور واجتماعه مع رجال الغرفة التجارية فيه وما "حظى به من مقابلة حسنة" على حد تعبير الأهرام الصادر في 30 نوفمبر عام 1883 دلالة على زوال الأزمة وانتهاء فكرة حفر "ترعة السويس الثانية" بانتهاء دواعيها السياسية.
عبر الأهرام عن ذلك في عدده الصادر في 8 فبراير عام 1884 بقوله: "ان اتفاق أرباب السفن مع المسيو دى لسبس في مسألة القنال ومصادقة وزير إنكلترا عليه يؤذن بتسهيل الاتفاق بين الدولتين العظيميين (فرنسا وانكلترا) على جميع المشاكل الحالية الحالة بالقطر المصرى فإن لهما شأناً عظيماً فيهما ومصلحتهما تضطرهما للاتفاق مخافة وقوع السلم العمومية (السلام العام) في خطر"!
ومع ما يبدو من أن فكرة "الترعة الثانية" قد دفنت بهذه التسوية فإن محاولات بعثها من مرقدها استمرت تتكرر بين الحين والآخر، وربما حتى يومنا هذا، ولأسباب سياسية ذات طبيعة ابتزازية قبل أن تكون لأسباب تجارية ذات جدوى اقتصادى!

صورة من المقال: