ads

Bookmark and Share

الخميس، 25 أكتوبر 2018

027 انجلاء العساكر الإنكليزية!

انجلاء العساكر الإنكليزية!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 20 يناير 1994م - 8 شعبان 1414هـ

تحت هذا العنوان استمر "الأهرام" يتابع خلال عام 1883 تطورات المسألة المصرية في اعقاب الاحتلال البريطاني للبلاد والتي وصفها بعقدة المسألة الشرقية.
كانت الفكرة السائدة خلال العمليات العسكرية التي انتهت بضرب الثورة العرابية أن "العساكر الإنكليزية" قد أتت بهدف محدد هو إنهاء ما أسماه الأهرام "بالعصيان على الخديو" الذى خلق لوناً من تهديد مصالح الأجانب، بل وحياة المقيمين منهم في البلاد، وأنه بعد الانتهاء من تلك المهمة سيعود كل شيء على ما كان عليه، وينجلى هؤلاء العساكر عن القطر المصرى، على حد تعبير الأهرام.
ضُربت الثورة، وحوكم زعماؤها وتم نفيهم وأخذت الأحوال تعود إلى طبيعتها في مصر، وتصور أصحاب الفكرة أن خروج "الإنكليز" من مصر أصبح قاب قوسين أو أدنى وأنه لن ينتهى عام 1883 إلا وقد حدث "الانجلاء التام!
وقبل اتهام هؤلاء بمن فيهم القائمون على تحير الأهرام بالغفلة أو السذاجة السياسية يستحسن التعرف على الأسباب التي كانت وراء اعتناقهم لتلك الفكرة.
كان هناك أولاً جملة من التصريحات التي أطلقها المسئولون البريطانيون إبان العمليات العسكرية بأن وجودهم في مصر مرهون بانتهاء تلك العمليات.
وقد أضفى الجدية على تلك التصريحات أن بعضاً منها أطلق في قاعة مجلس العموم البريطاني أثناء المناقشات التي دارت حول التدخل الانجليزى في الشئون المصرية، وان جانباً آخر أدل به المستر وليم ايوارت جلادستون رئيس الوزراء البريطاني نفسه وهو الرجل الذى جرت عملية الاحتلال في عهده واستمر في منصبه خلال السنوات الثلاثة التالية لعام 1882.
كن هناك ثانياً الموقف البريطاني التقليدي من "المسألة الشرقية" وهو الموقف الذى تأسس طوال الوقت على "الحفاظ على سلامة ووحدة أراضى الإمبراطورية العثمانية" ولم تكف أحداث الحرب الروسية - التركية أو ما أسمته الأهرام بحرب الفيل والحوت 1876 - 1877 في اقناع المصريين وغيرهم أن الساسة البريطانيين قد تخلوا عن موقفهم التقليدي في أروقة مؤتمر برلين 1878 الذى حصلوا من خلاله على جزيرة قبرص.
عبر الأهرام عن استمرار تلك القناعة فيما قاله في عدده الصادر في 22 فبراير عام 1882 من "أن الدولة البريطانية لا تروم الدخول في باب العبث بسيادة الدولة العثمانية على القطر وفى اليقين أن حكمة مولانا جلالة السلطان المعظم ستطرد في منهاج حل المسألة الطريقة المثلى"!
كنا هناك ثالثاً المذكرة البريطانية التي قدمها سفراء "حكومة جلالة الملكة" الى حكومة الدول المعنية بالمسألة المصرية: تركيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا والتي نشر الأهرام نصها في عدده رقم 1555 الصادر في 27 يناير في صفحته الأولى تحت عنوان "لائحة إنكلترا".
جاء في مستهل تلك المذكرة نقلاً عن الأهرام: "ان الحوادث التي جرت فرضت على حكومة الملكة مأمورية استئصال العصيان العسكرى في مصر وإعادة النظام والهدوء إليها وهى مأمورية كنا نود بطيبة خاطر أن تشاركنا فيها بقية الدول، أما المأمورية المعلن عنها فقد انقضت والحمد لله. وأما الجيش الانكليزى المتبقى حتى الآن بقصد توطيد الطمأنينة هناك فقد عزمت حكومة الملكة أن تسترجعه حالما تسمح لها حالة القطر والتنظيمات المحلية التي سيعمل بها لتأييد سلطة الخديو".
***
وانتظر المصريون ومعهم "الأهرام" الانتهاء من "التنظيمات المحلية" التي سيضعها ممثلو الاحتلال البريطاني والتي كلف بها اللورد دفرين السفير البريطاني في استنبول على رأس لجنة من رجال الخارجية، والذى كان قد وصل إلى القاهرة في نوفمبر عام 1882 وبقى فيها حتى فبراير من العام التالى حين رفع تقريره إلى وزير الخارجية البريطانية ولم يكن مطمئناً(!)
فقد جاء في مقدمة هذا التقرير: "إن مصر لا تستطيع الآن أن تسترجع استقلالها وليست من الأهلية والكفاءة بحيث تتمكن من التمتع بما يطلق عليه اسم الحكومة الدستورية. ولكن الأمل معقود "إنجلترا طبعاً" من الحصول على الاستقلال الذاتي، ومع توالى الأيام على اتساع نطاق هذا الحكم"!
ولعل هذا التقرير هو الذى دفع الأهرام إلى بداية السير في طريق الشك حول نوايا حكومة لندن الحقيقية تجاه "الانجلاء" فيما عبر عنه مدير تحرير الصحيفة في مقال افتتاحى تحت عنوان "نظرة عامة" جاء فيه: "فالمسألة السياسية المصرية والحالة هذه لم تزل في أرجوحة المخابرة تقلبها عوامل السياسيين بموجب قواعد الصالح فللمستقبل أن يفيدنا عن حلها وكل آت قريب"!
أخذ الأهرام بعد ذلك في السعي للتعرف على نوايا الحكومة الإنجليزية وقد تعدد مصادره في هذا الشأن..
كانت جريدة التايمز The Times المصدر الأول من مصادر هذا التعرف فالأهرام كان يعلم منذ وقت مبكر تلك العلاقة الحميمة بين تلك الصحيفة العريقة التي لم يضاهها في الشرق سوى الأهرام نفسه بعد ذلك.. العلاقة الحميمة بينها وبين دوائر الخارجية البريطانية، وأن ما ينشر  فيها يعبر عن سياسات تلك الدوائر..
وقد أثبتت الدراسات الوثائقية بعد عشرات السنين تلك الحقيقة حين عثر الباحثون على قصاصات من التايمز في ملفات الخارجية وعليها تأشيرات من كبار رجالها تشى أن ما جاء بها قد تم نشره بالاتفاق معهم..
وقائع جلسات مجلسى العموم واللوردات البريطانيين، خاصة المناقشات التي كانت تجرى فيهما متعلقة بمصر كانت تمثل المصدر الثانى..
الخطب التي كانت يلقيها السياسيون أو العسكريون البريطانيون ممن شاركوا في الحملة على مصر كانت تمثل المصدر الثالث..
أخيراً كانت هناك المذكرات الرسمية التي كانت تبعث بها حكومة لندن سواء للبرلمان البريطاني أو للحكومات المعنية بالمسألة المصرية. والتي كانت تتضمنها المنشورات الرسمية للحكومة البريطانية المعروفة بالكتب الزرقاء.
ومن خلال المتابعة لك تلك المصادر استمر الأهرام بين الشك واليقين، بين بقاء العساكر الإنجليزية وانجلائها..
***
كان ما نشره التايمز ونقله الأهرام ف عدده الصادر يوم 11 مايو عام 1883 يثير أقوى الشكوك حول نية الحكومة البريطانية على الانجلاء..
تضمن ما جاء ف التايمز أولاً جانباً من تصريحات أدلى بها اللورد دفرين جاء فيها: "يجب أن نمنع سقوط البناية التي شيدناها بمصر حالما نرفع عنها يدنا التي سندناها بها وإلا عاد الخلل إل القطر المصرى وتجدد الخلاف في العالم الأوربي"، ولم تكن تصريحات مطمئنة على وجه اليقين!
تضمن ثانياً جانباً من تقرير أحد مساعدى دفرين عن نوايا الشعب المصرى تجاه الاحتلال، وكان في رأى المستر ستوارت صاحب هذا التقرير أن المصريين مولعون بالإنجليز"!" أو حسبما جاء في مقال التايمز "أرى أن أهالى الوجه البحرى يحبون الشعب الإنكليزي وينتظرون إجراء الإصلاحات المهمة في بلادهم بواسطته وهم مستعدون للترحيب به أما حاسات (ميول) أهالى الوجه القبلى السياسية فلم أتمكن من الوقوف على حقيقتها" ولم يكن تقريراً مريحاً على وجه التأكيد"!
تضمن أخيراً رأى التايمز سافراً والتي قالت بالحرف الواحد: "ولقائل ولم لا نترك مصر تقوم بمهامها من نفسها وتدبر أمورها حسبما ترى مناسباً فنجيب بما أجاب به اللورد دوفرين فى تقريره أو بما قاله مكاتبنا في نبذة عن النظامات المصرية، وملخصه على الحكومة الإنكليزية الآن أن تعتمد على واحد من أمرين إما أن تترك مصر فتعود إلى حالتها القديمة من سوء التدبير والإدارة وبالاستقراء تقع في يد دولة أخرى أو ننهضها بالتدريج في سلم التقدم الأدبى والمادى حتى تصل إلى درجة حسنة بين الأمم المتمدنة" والاجابة طبعاً التي تنتظرها التايمز من قارئها: "ننهضها بالتدريج في سلم التقدم الأدبى والمادى(!) أما ما يستغرقه هذا التدريج فعلمه عند الله وواضعى السياسة الاستعمارية في لندن!
وقائع جلسات البرلمان البريطاني نقل الأهرام منه بعض المواقف قطب حزب المحافظين، اللورد اندولف تشرشل، والد السياسى البريطاني المشهور بعدئذ ونستون تشرشل، والذى هاجم بشدة تدخل حزب الأحرار في الشئون المصرية: "ان الحكومة ساقت البلاد إلى التهور في وهاد المصاعب"! وان المطلوب "إلقاء الحمل المصرى عن ظهورنا وترك مصر وشأنها".
وقد انبرت التايمز تحذر من هذا الاتجاه الذى يعبر عنه قطب المحافظين حيث رأت "ان الانجلاء عن مصر يشير بجلاء إلى أن السياسة الحالية لم تنفذ أحكامها بل حبطت جميع مساعيها وعندنا أنها لا يوجد خطا أعظم من خطا الذين يساعدون بواسطة تثريبهم بسياسة الحكومة على امتداد الشكوك والظنون المنتشرة الآن في أسواق مصر وقهاويها"!
وخطب العسكريين الذين اشتركوا في الحملة المصرية كان أهمها ما ألقاه الجنرال اليزون الذى حضر موقعة التل الكبير في أحد المحافل.
جاء في جانب من تلك الخطبة: "لا يخفى أننا حملنا على مصر كيما "كى ما" ننقذها من تلك الفوضى التي تتهدد راحتها وتعمل على قلبها"، مما كان يعنى أن الحملة على مصر كانت أقرب منة بريطانية.
جاء في جانب آخر القول بـ "أننا ما دمنا في البلاد وظلت عساكر الاحتلال فيها فلا يؤمل حصول فوضى ثانية كالفوضى الأولى.. وقصارى الأمر أن مصر الآن رافلة بالراحة والأمن ما دامت العساكر الإنكليزية محتلة فيها"!
وكان من الطبيعى أن يخلص من كل ذلك إلى القول بأن ما تناقلته الألسن من خبر "انجلائنا عن القطر ليس من مصلحة البلاد اتباعه، وأنه إذا تركنا مصر في الحالة الحاضرة تعود إليها القلاقل الماضية ويرجع القديم إلى قدمه وربما اضطرنا الحال إلى إعادة الحوادث الغابرة"!
***
بعد عام بالضبط من الاحتلال البريطاني شهد خريف 1883 معركة بين البقاء والانجلاء. وبينما عبرت التايمز اللندنية عن مواقف الداعين للبقاء فإن الأهرام السكندرية عبرت عن الموقف المضاد.. الداعين للانجلاء، حتى أنه ليس من المبالغة في شيء القول بأنها كانت معركة بين التايمز والاهرام.
يبدو ذلك من حرص الأهرام، خلال الفترة التي احتدمت ابانها تلك المعركة بين منتصف أكتوبر وأواخر نوفمبر على أن يقدم ترجمات لمقالات التايمز والانبراء للرد عليها.
والقول بأن الأهرام كان ممثلاً لحزب "الانجلاء" ليس فيه أية مغالطة فانحياز آل تقلا خلال أحداث الثورة كان "ضد" العرابيين أكثر منه "مع" الانجليز، وهو انحياز صنعته العلاقات مع الخديو. فضلاً عن ذلك فإن تتابع الأحداث في أعقاب الاحتلال بدءاً من الانتقاص من سلطات توفيق، الأمر الذى لم يسعده أو يسعد مؤيديه، وانتهاء بالانفراد بشئون البلاد دون الفرنسيين الذين كان لأصحاب الأهرام علاقة وثيقة بهم منذ البداية.. كل هذا وضع آل تقلا في صف "الانجلائيين"!!
ففي 20 أكتوبر ينقل الأهرام عن التايمز تحذيراً جاء فيه: والحق يقال أن لا شيء يضر بالسياسة التي سارت عليها إنكلترا منذ اضطرت إلى المداخلة في مسألة مصر أكثر من انجلاء العساكر الإنكليزية عن البلاد وهى في الحالة الحاضرة، لأنه من الأمور المقررة أنه حينئذ يضعف بل يبطل نفوذ السير افلين وود "القائد الانجليزى للجيش المصرى الجديد" وباقى المأمورين من المتوظفين في أقلام الحكومة، وفضلاً عن ذلك تعود القلاقل والثورات إلى البلاد"..!
بعد أقل من أسبوع من نشر مقال التايمز يبدأ رد الأهرام بالإشارة إلى الأخبار القادمة من لندن ومؤداها "أن الحكومات الإنكليزية عزمت على استرجاع ثلاث فرق من عساكرها عما قريب وستستدعى الباقين منها عند افتتاح مجلس البرلمان.
يعقب ذلك بسلسلة من المقالات والأخبار للتأكيد على قرب "الانجلاء" فيتحدث في أحد المقالات عن أن وفرة جيش الاحتلال وكثرة الأكلاف التي تنفقها عليه الحكومة المصرية يجعلان الأهلين غير مرتضين عن بقائه في البلاد" وبعد بضعة أيام يسوق خبراً جاء فيه أن "أهم المسائل المبحوث عنها في دوائر حكومتنا السنية مسألة انجلاء العساكر الإنكليزية عن القطر".
قبل منتصف نوفمبر وفى عدده رقم 1791 الصادر في 14 نوفمبر يسوق الأهرام البشرى بأنه "سيبارح القطر عما قريب زهاء ثلاثة آلاف من العساكر الإنكليزية فلا يبقى من جيش الاحتلال سوى عدد قليل يسترجع تدريجاً وسيقلل عدد المتوظفين في الجيش المصرى. أما الضباط الحاليون فهم بصفة مدربين للعساكر" ويبدو أنه كان لهذا التفاؤل ما يبرره.
فقد صدر أحد الكتب الزرقاء البريطانية خلال تلك الأيام تضمن خطابين متبادلين بين المعتمد البريطاني في القاهرة السير ايفلين بيرنج ووزير الخارجية في لندن.
جاء في الخطاب الأول الذى بعث به المعتمد "بالإمكان استرجاع الجنود من القاهرة دون خطر يذكر وليس ثمة ما يمنع من تخفيض عدد القوات الإنجليزية البالغة 6700 رجل إلى ثلاث الايات مشاة وبطاريتى مدفعية وأخر للمهندسين يبلغ مجموعها 3000 رجل وأن توضع هذه القوة في الإسكندرية"، ورد اللورد جرانفيل بالموافقة على الاقتراح "وعلى أن يعهد بالجانب الأكبر من مسئولية حفظ الأمن والنظام إلى حكومة سمو الخديو التي يمكنها أن تعتمد على تأييد الإنجليزية"!
عندما وصل مضمون ما جاء في الكتاب الأزرق المذكور إلى مصر احتفت به الصحافة المصرية احتفاء كبير اً ونشر الأهرام الخطابين بعد أن ترجمتهما في صدر عدده رقم 1804 الصادر يوم 29 نوفمبر عام 1883 وبدا مع ذلك أن قضية "الانجلاء" في طريقها للحل، وهو الأمل الذى لم يتحقق!
***
تغزى خيبة أمل الأهرام، بل ودوائر الحكومة المصرية وجملة المهتمين بالحركة الوطنية، إلى أن هؤلاء جميعاً لم يعتنوا بأن يقرأوا جيداً ما ورد في الكتاب الأزرق الانجليزى والذى جاءهم وقتذاك من خلال مجلة "جازيت أوف لندن" فما تضمنته تلك المذكرات المتبادلة كان يعنى تخفيض قوة الاحتلال وليس انجلاءها والفارق كبير...
فمسألة زيادة أو تخفيض الحامية البريطانية في مصر استمرت خلال الأعوام التالية تخضع لاعتبارات متعددة لبعضها طبيعته السياسية ولبعضها الآخر طبيعته الأمنية ولكنه لم يؤد في أي الأوقات إلى أن يكون التخفيض فيما فهمته الأهرام أو فيما تصورته الدوائر السياسية المصرية مقدمة للانجلاء الكامل.
يغزى ثانياً لتطور الأحداث في السودان، وهناك فكرة شائعة وهى أن اقتران "مطلبى الجلاء ووحدة النيل لدى الحركة الوطنية المصرية قد بدأ بعد اعلان الحكم الثنائى للسودان عام 1899، ونرى أن مجريات القضية عام 1883 تنفى تلك الفكرة وتؤكد أن الاقتران المذكور قد بدأ منذ ذلك الوقت المبكر.
فقد عرفت نفس الفترة التي كانت تناقش خلالها مسألة "الانجلاء" النجاح الكبير الذى أحرزه الأنصار في السودان بعد أن أنزلوا هزيمة كبيرة بجيش هكس في 5 نوفمبر من ذلك العام في غابة شيكان بغربى السودان جنوب عاصمة كردفان بأميال قليلة بكل ما كان يعنيه ذلك من اتباع سياسات جديدة.
فإذا كان المبرر لقدوم الانجليز وبقائهم خلال العام السابق هو انقاذ مصر من أسباب الاضطراب وبقايا "العصاة" فإن ما جرى في شيكان منح البريطانيين ذريعة أخرى للبقاء للاستمرار في عملية انقاذ مصر، ولكن من تهديدات الدراويش من أبتاع المهدى هذه المرة!
ومع وصول أخبار متناثرة عن حجم الكارثة اعتبرها المرجفون، لم تلبث الصحيفة أن بدأت تعبر عن قلقها خاصة مع تكرر "اختلاف الجناب العالى الخديو بجناب الماجور بيرنج وبعض النظار الكرام للمداولة في مسألة السودان"!
وفى يوم 30 نوفمبر نشر الأهرام خبرين متجاورين نما عن ذلك الاقتران الذى استمر قائماً بين مطلبى الحركة الوطنية المصرية..!
جاء فى الخبر الأول: "لا مشاحة أن مسألة السودان قد أزعجت اشاعاتها الخواطر.. ولا غرو فإنها بقعة شاسعة كلفت حكومتنا المصرية من أيام المغفور له محمد على باشا إلى الآن المبالغ الوافرة، فهى إذن عضو من أعضاء بلادنا يسرنا ما يسره وبالعكس"..
وجاء فى الخبر الثانى: "قال جناب السير ايفيلين بيرنج: انى أعد نفسى في مقدمة الانجليز الذين لا يودون لمصر شراً ولا يحبون مس حقوقها ولا بقاء جيش الاحتلال ولكن اشاعات السودان اضطرتنى لتوقيف العساكر التي كانت على أهبة السفر إلى بلادها انفاذاً لما قررته الحكومة وبرهاناً على إخلاصنا".
والخبران في حاجة إلى تعليق، فقد حصل الانجليز على أولى الذرائع لتأخير "الانجلاء"، وهى ذرائع انتحلت أربعة وسبعين عاماً بالتمام والكمال!

صورة من المقال: